الأقباط متحدون - «قادرون».. إلى أين؟
  • ٠٠:٤٩
  • الاربعاء , ٢١ يونيو ٢٠٢٣
English version

«قادرون».. إلى أين؟

مقالات مختارة | سمير مرقص

٣٧: ٠١ م +00:00 UTC

الاربعاء ٢١ يونيو ٢٠٢٣

سمير مرقص
سمير مرقص

سمير مرقص
(1) «الغضب من أجل التغيير»
«قادرون» الاسم العربى لحركة «بوديموس» الإسبانية اليسارية. تعتبر «بوديموس» تجمعًا لحركات مواطنية متنوعة تجمعت معًا بشكل عفوى فى الفضاء العام السياسى الإسبانى مطلع 2011 لتعلن عن غضبها لما آلت إليه الأحوال فى إسبانيا. عكس التجمع احتجاجًا مواطنيًا قاعديًا على النظام السياسى والحزبى التاريخى الإسبانى الذى لم يستطع الوفاء بوعوده لهؤلاء المواطنين ما أثار غضبهم.

وكان الغضب محور تجمعهم ودافعهم للانخراط فى العمل السياسى كحركة ذات قاعدة شعبية. لم تكن غضبة هؤلاء المواطنين شحنة عاطفية محضة، بل كانت غضبًا تاريخيًا واعيًا، أو ما بات يُعرف فى الأدبيات بالغضب التاريخى Historical Anger؛ من قبل الشريحتين الوسطى والدنيا للطبقة الوسطى والطبقات الدنيا الفقيرة: العمالية، والمهمشة، والمنسية، والمنبوذة.

ويتجلى الوعى المواطنى الذى تصطف حوله حركة «بوديموس» خاصة، والحركات المماثلة فى أوروبا عمومًا، فى إدراك مواطنى هذه الحركات أن الأحزاب والحكومات والسياسات لم تستطع منذ الحرب العالمية الثانية أن تحقق الحياة الكريمة للطبقات والشرائح المذكورة.

ما يستدعى صياغة واقع جديد يلتزم بتوفير منظومة الحقوق بالكامل دون نقصان وتحسين ظروف المعيشة وتأمين الكرامة الإنسانية.. ويُشار إلى أن وثيقة الانضمام إلى «بوديموس» كان عنوانها: « لنأخذ الأمور بأيدينا من أجل تحويل الغضب إلى تغيير سياسى».. وفى هذا المقام، نشير أيضًا إلى أن كثيرًا من الدراسات قد ذكرت أن قادة «بوديموس» قد استلهموا- من ضمن ما استلهموا- النموذج التحريرى الينايرى عندما بادروا بالتجمع غاضبين فى أحد ميادين مدريد القديمة.

(2) «لا تويركا»
راهن كثيرون من الفاعلين السياسيين على أن «بوديموس»، وهكذا حركات بدأت تنطلق فى أوروبا- رصدنا الكثير منها فى دراستنا المعنونة «الحركات المواطنية القاعدية الجديدة»- مجرد ظواهر مجتمعية مؤقتة سرعان ما ستختفى.

إلا أن «بوديموس» بدأت تتمدد فى كل أنحاء إسبانيا، وبدأت تطرح نفسها كبديل سياسى جذرى من خارج النخب السياسية التقليدية التى احتكرت العمل السياسى لعقود ولم تأتِ بجديد لمواطنيها. ذلك من خلال نموذج سياسى يعتمد وسائل وأدوات سياسية ذات تكلفة رخيصة وتستخدم تقنيات التواصل الرقمى الجديدة فى التعبئة والتنظيم.

أما على المستوى الفكرى فلقد أعلت من الصالح الوطنى الذى من شأنه أن يستقطب أكبر عدد من الطبقات والشرائح الوسطى والدنيا، خاصة فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية والمساواة ونظم التأمين الاجتماعية والعمل والضرائب وتوفير الخدمات والوظائف للغالبية من المواطنين.

واتخذوا موقفًا كاشفًا حيال إخفاقات الخيار الاقتصادى الليبرالى الجديد بإعادة توجيه الاقتصاد الإسبانى ليتسم بطابع إنتاجى مركب يتجاوز اقتصاد الخدمات والسياحة. كما بدأت الحركة فى الخوض فى الكثير من الملفات التى كانت تعتبر حكرًا لشبكات سياسية/ اقتصادية مغلقة على مدى عقود، مثل ملفات الطاقة والقروض والفساد المالى (خاصة العلاقة بين الشركات متعددة الجنسية والنخبة الرأسمالية/ السياسية المحلية).

على هذه الخلفية انطلقوا يمارسون العمل السياسى فى مواجهة الأحزاب القائمة ببرنامج سياسى تفصيلى أطلقوا عليه: برنامج الحد الأدنى، وخاضوا الانتخابات البرلمانية الوطنية والأوروبية تحت شعار: نحن صرخة لا قائمة انتخابية (no Tuerka).

واستطاعت «بوديموس» أن تحظى بعدد لافت من المقاعد فى البرلمان الأوروبى فى 2015. كما حصلت بنهاية العام نفسه على المركز الثالث فى الانتخابات البرلمانية الإسبانية بعد الحزبين الكبيرين فى إسبانيا اليسارى: الحزب الاشتراكى العمالى، واليمينى: الحزب الشعبى، حاصدة 20%من أصوات الناخبين الإسبان.

(3) «بوديموس وحصاد عقد من الزمان»
لاشك أن «بوديموس» كانت الحركة الأبرز بين قريناتها من حركات تأسست فى العقد الأخير، فيما عُرف فى الأدبيات بـ«العصر الجديد من الاحتجاج والتنظيم» New Age of Protest & Organization، الذى تعددت فيه الحركات القاعدية المواطنية اليسارية واليمينية على السواء (مثل حركات سيريزا فى اليونان، والبديل من أجل ألمانيا، والـ5 نجوم الإيطالية، والحرية الهولندية...).

ولاشك أيضًا أن «بوديموس» بما مثّلته من نموذج جديد فى العمل السياسى يختلف جذريًا عن الأحزاب التقليدية، قد وقعت مؤخرًا فى حبائل المناورات الحزبية الكلاسيكية، والتى لا تصب إلا فى مصلحة الكبار أو «الطغمة» حسب أدبيات «بوديموس». ومن ثم خانت- حسب المراقبين- ما تمردت عليه قبل عقد من الزمان ومنحها ثقة الأغلبية من المواطنين المنسيين والمهمشين والمنبوذين من الجسم الطبقى والاجتماعى الإسبانى. نواصل..
نقلا عن المصرى اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع